
دينا رمضان
في يوم المرأة العالمي تحية للنساء المهمشات واللواتي لايطابقن معايير التعاطف والتآزر الدارجة
في يوم المرأة العالمي، وضمن حملتها الدعائية المستعرة، والهادفة الى تحسين صورتها العالمية واستجلاب تعاطف المجتمع الدولي، نشرت وزارة الخارجية الاسرائيلية فيديو دعائي يظهر سيدات من مختلف دول العالم وهن يظهرن تضامنهن مع السيدات الاسرائيليات اللاتي -على حد ادعاء الفيديو- تعرضن للاغتصاب والخطف على يد حماس.
المفارقة، ان الفيديو ينتهي بجملة “لايجب السماح ان تتعرض اية امرأة لهذا الرعب على يد الارهابيين”
وبالنظر الى ما تقوم به اسرائيل في غزة، وفلسطين عموما، فكأن منطقها يقول بأنه لابأس بالسماح لجميع الجهات الغير مصنفة ” ارهابية” ان تذيق المرأة كل صنوف القتل والاضطهاد والتعذيب!
بلغت نسبة السيدات الفلسطينيات اللاتي قتلن على يد القوات الاسرائيلة قبل بداية العدوان الاخيرعلى غزة 14%، لترتفع الى 70% بعد السابع من اكتوبر، شاملة النساء والاطفال.
حسب احصائيات الامم المتحدة فإنه في كل ساعة يتم قتل اثنتين من الامهات الفلسطينيات، ليتجاوزعددهن 9000 سيدة منذ بدء العدوان، من اجمالي عدد الشهداء الذين فاق عددهم 30000.
أما من بقي من الأحياء، فهم ربما يموتون كل يوم مائة مرة، بسبب الرعب القادم مع الضربات الاسرائيلية العشوائية، بالاضافة الى التهجير المتعدد بدون بلوغ مأوى آمن، مع غياب الطعام، والمياه الصالحة للشرب، وانتفاء كل أنواع الخدمات الانسانية، مع وجود 60000 امرأة حامل في غزة تعاني من سوء التغذية والجفاف، بمن فيهن حوالي 5000 امرأة تلد شهريا في قطاع صحي على وشك الانهيار، مما يقتضي الولادة في ظروف لاتطاق، مؤدية الى موت الأم أو وليدها، وفي حالات أخرى تخوض النساء عمليات الولادة القيصرية حتى دون تخدير.
وكأن كل هذا ليس كاف، لنشهد من جهة اخرى الممارسات المريضة و المقززة لأفراد الجيش الاسرائيلي، الذي يدعي بأنه جيش أخلاقي لدولة “ديمقراطية”، بما فيها تفتيش الاغراض الشخصية الخاصة بالسيدات الفلسطينيات، وأخذ الصور والفيديوهات معها، والاحتفال بتلك الافعال المقرفة ونشرها على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وكأنها عمل بطولي.
كل هذه الاحصائيات المرعبة عن حال المرأة الفلسطينية، لم تدفع السيدة أورسولا فون درلاين -رئيسة المفوضية الاروبية- تلك السيدة التي تعرف معنى التمييز ضد المرأة، والمنافحة عن “حق اسرئيل في الدفاع عن نفسها” بشكل غير مشروط، لم تدفعها الى إظهار أي تعاطف أو ادانة واضحة للانتهاكات الاسرائيلة بحق السيدات الفلسطينيات، اللاتي تزهق أرواحهن وكراماتهن بشكل يومي على يد الآلة العسكرية الاسرائيلية، والنفاق الغربي العالمي.
وفي حين اننا رأينا الدعوات المحقة من كثير من المنظمات النسوية والنسائية العالمية وغيرها بضرورة حماية المرأة الاوكرانية، مع إلقاء الضوء على معاناتها الناجمة عن الحرب الروسية-الاوكرانيا، نجد تغييبا شبه كامل عن حال المرأة الفلسطينية ومعاناتها، والتي فاقت أية معاناة أخرى في التاريخ الحديث – حسب ممثل الامم المتحدة. وهذا إنما يدل على انتقائية صارخة لهذه المنظمات والجهات التي ورغم ادعائاتها بأنها تؤمن بحقوق المرأة وتمكينها، إلا أنها على أرض الواقع، لا تهتم إلا بالمرأة “الغربية البيضاء”.
كل الاحصائيات المتعلقة بغزة ونسائها تبقى أرقام صماء بالنسبة للغرب، لم تحرك فيه ضميرا، باستثناء بعض الدول القليلة، كالنروج واسبانيا. هذا الغرب بقيادة أمريكا قائدة “العالم المتحضر” الذي لم يفتأ يتغنى ويتحدث عن حقوق المرأة ووجوب حمايتها والعمل على تمكينها، طبعا حسب معاييره.
لقد كشفت الاحداث الاخيرة والطريقة التي تعامل معها الغرب مع القضية الفلسطينية، السقوط القيمي والاخلاقي لما يسمى “الغرب”، وهو سقوط شامل لم يسلم من شره امرأة ولا طفل ولا شيخ. وكشفت أيضا ازدواجية صارخة للمعاييرعندما يتعلق الامر بالسياسة الخارجية لتلك الدول.
إن ما يحدث من دعم انتقائي لقضايا النساء يمكن النظر إليه على أنه يعتمد على عدة معاييرغربية.
فحتى يقرر الغرب دعم قضية اية امرأة من عدمه فإنه ينظر أولا الى الدولة التي تنتمي إليها تلك المرأة، من حيث انتمائها الى الغرب أوالجنوب العالمي. ومن ثم يأتي النظرالى توجهات حكومة أو نظام تلك الدولة، وإن كانت تعمل وفق مصالح الغرب ام ضده. وأخيرا، فإن القراريصدر بناء على تقييم ان كان هذا الدعم سيعود بالفائدة على الغرب أم لا.
تلك هي الحسابات الغربية التي تحكم وتحدد دعم أي قضية نسائية من عدمه، والامثلة من السودان وسورية واليمن والكونغو وغيرها كثير.
وفي اليوم العالمي للمرأة، والذي يعتبره البعض مناسبة للاحتفال بالانجازات التي حققها نضال المرأة ، ويعتبره البعض الأخر مناسبة لإلقاء الضوء على المشاكل والصعوبات التي تعاني منها، ربما تكون هذا المناسبة فرصة لتقييم وضع المرأة في العالم تقييما واقعيا، بعيدا عن اصلها ولونها ومنشئها، وتعرية كافة الدول التي تحاول استخدامها وقضاياها كحوامل لتحقيق غايات سياسية. مع السعي لتضافر الجهود الصادقة لمواجهة المشاكل التي تعاني منها وتسهيل العقبات أمامها حتى تستطيع القيام بدورها في بناء وتقدم المجتمعات على افضل وجه.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولايعبر بالضرورة عن رأي معهد السلام لدراسات المرأة SWS